نسى نيكولا ساركوزي ذلك الانتهازي دروسا ثلاث عندما قرر أن يوجه سهام نقده نحو النقاب.
أول هذه الدروس هو أن الرجال ينبغي أن يظلوا بمنأى عن التورط في التعبير عن آرائهم بشأن ملابس النساء إلا إذا كانت أسماؤهم «لاكرواه» أو «جوتير» أو «لاجرفيلد» أو غيرهم من مصممي الأزياء.
الدرس ذاته تلقاه ولكن بالطريقة الأكثر قسوة وزير الخارجية البريطاني السابق جاك سترو الذي صار مادة للسخرية حينما انتقد النقاب بعد أن طلب من امرأة من بين ناخبيه أن تخلع نقابها لكي يكون بمقدوره رؤية وجهها.
أبمقدور أحدنا أن يتصوره وهو يطلب من امرأة من العائلة الملكية السعودية الأمر نفسه أثناء واحدة من مهامه المكوكية إلى الشرق الأوسط؟
والأمر نفسه فعله بحماقة الأسكتلنديان «جوردون براون» و«جون ريد» القادمان من بلد يرتدي فيه الرجال تنورات ذات ثنيات ويدهنون وجوههم بطلاء أزرق اللون ثم ينخرطون بحماس في ممارسات لا يقدم عليها سوى زوجان من الدببة الراقصة.
وحتى أسقف روشيستر، ذلك الرجل الذي يرتدي قبعة مستدقة الرأس ولباسا أرجوانيا، ثرثر مبديا بغضه للنقاب ذلك الحجاب الذي يغطي الوجه كاملا.
جاء الرد سريعا على هؤلاء بطبيعة الحال من جهة النساء المسلمات في بريطانيا اللاتي أثبتن أنك يمكن أن تصفهن بأي شيء إلا أن تصفهن بأنهن كائنات مقموعة أو مقهورة. ولكي يثبتن أن ثمة تضامنا حقيقيا بين النساء المتدينات وغير المتدينات، عبرت قلة محدودة جدا من الناشطات في مجال حقوق المرأة عن احتقارهن لجاك سترو وأمثاله وذلك بوقوفهن جنبا إلى جنب مع بنات جنسهن من المسلمات.
الدرس الثاني هو أن يحاول وأن يكون صادقا إذا كان يدعي الدفاع عن قضية عادلة. لقد ادعى ساركوزي احترامه الكبير للنساء بقوله إنه يشعر أن النقاب يمثل رمزا غير مقبول لعبودية النساء- واليوم بمقدوري أن أكشف خبيئة نفسه وأنه مجرد بائع متجول يتاجر في الكلام المعسول.
فلو أنه حقا يهتم باضطهاد النساء، لعالج مشكلات مستويات التقاضي فيما يتعلق بالعنف الأسري الذي تعاني منه المرأة الفرنسية بيد زوجها الفرنسي(هناك مليونا ضحية لتنمر الأزواج وعنفهم، وهناك400 بائسة منهن لقين حتفهن قتلا بيد أزواجهن).
ومع ذلك، كم امرأة في فرنسا ترتدي النقاب على أرض الواقع؟ الإجابة هي: أقلية محدودة جدا، حتى إن «إيما جين كيربي» مراسلة البي بي سي حينما ذهبت لتجري مقابلة مع امرأة باريسية ترتدي النقاب لم يكن بمقدورها أن تلتقي ولو امرأة واحدة.
فما كان من المراسلة السابقة للبي بي سي في أوروبا إلا أن ذهبت إلى الحي المسلم في العاصمة الفرنسية، لكن جل ما تمكنت من الوصول إليه هو كثرة من النسوة مرتديات الحجاب من أصول أفريقية شمالية. لم تحصل سوى على تعبيرات تملؤها الدهشة وكثير من هز الاكتاف حينما سألتهن عما إذا كانت أي منهن تعرف نسوة يرتدين البرقع(بل حتى محلات بيع الملابس الإسلامية المحلية لم يكن لديها أي براقع للبيع.)
فلماذا أطلق إذن ساركوزي هذه الحملة العنيفة ضد النقاب، واصفا النسوة المسلمات بأنهن«سجينات وراء القضبان معزولات عن الحياة الاجتماعية محرومات من إظهار هويتهن؟» يشرح أحد المراقبين المسلمين الأمر بقوله:«الأمر المثير للسخرية هو أن عددًا غير قليل من المسلمات ربما سيقلن إن الحظر الحالي لغطاء الرأس في فرنسا هو الذي سبب لهن هذا الوضع الذي يتحدث عنه ساركوزي تماما».
حسنا، أقول إن السبب الحقيقي لهذه التصريحات ليس له أي علاقة بالبرقع وأن السبب الحقيقي يعود إلى أن ساركوزي يحاول أن يمارس ضغوطا على اليساريين الليبراليين مطلقا رصاصاته الرخيصة محاولا أن يكسب لنفسه القليل من الأصوات الانتخابية على حساب النسوة المسلمات.
وساركوزي جبان، مثل كثير من السياسيين الذكور، وهو في محاولة مثيرة للشفقة لإخفاء دوافعه الحقيقية في جني الأصوات، يبتكر اقتراحا لحظر البرقع كوسيلة للدفاع عن حقوق المرأة. وهو يعلم أن هذا سيلقى استقبالا حارا من جهة الناخبين الفرنسيين الذين يرون في النسوة المحجبات تهديدا لقيمهم الليبرالية.
استغلال النساء كبقرة تحلب أصواتا انتخابية هو خديعة سياسية شائعة- أتذكر عندما زعم جورج بوش وتوني بلير أن غزوهم لأفغانستان كان في معرض الدفاع عن حقوق المرأة ومقصده تحرير النسوة الأفغانيات.
هذان الرجلان قاما باستغلال زوجتيهما المحبات ودفعاهما دفعا إلى الوقوف أمام وسائل الإعلام ليبررا غزو زوجيهما لهذه الدولة(في زيارة حديثة لي لأفغانستان يمكنني أن أخبركم أن عدد من خرجن من تحت أنقاض كابول كنساء عاملات قليل جدا.)
فإذا حاول في المرة القادمة سياسي ما أن يمرر أي إجراءات مثيرة للجدل من أي نوع أو أن يطير تصريحا مثيرا لإعجاب جماهير الناخبين، فأرجوكم أن لا تقعوا في شراك التبرير المعسول بأن هذا السياسي ومن على شاكلته يقومون بهذا من أجل تحرير النساء والأقليات العرقية.
لما قرأت صفحات وأعمدة إحدى جرائد الرأي الأسبوعية، هالني أن كثيرات ممن يفترض بهن الذكاء من الناشطات النسويات قد صدقن ذلك الهراء الذي تلفظ به ساركوزي. لقد صدقنه تماما مبديات ضحالة فكرية مثيرة للدهشة طفحت بها صفحات مقالاتهن.
لدي شعور صادق يسيطر علي أن ساركوزي ما هو إلا واحد من هؤلاء الذكور الجبناء الذين يموتون في جلدهم فرقا عندما ترد في أذهانهم فجأة صورة امرأة قوية. وأعتقد أن رؤية امرأة ترتدي برقعا يسبب له الشعور بالضآلة.
أيمكن أن تكون زوجته، تلك المرأة رائعة الجمال التي خلعت ثيابها ووقفت عارية أمام كل رجل على ظهر الكرة الأرضية يحب أن يرمقها بنظرة غرامية، هي التي جعلت المنتقبة تشعره بأنه غير واثق في علاقته بزوجته؟
ولأن كل تلميذ أوروبي يمكنه أن يشهد أن سيدة فرنسا الأولى لا تعدو أن تكون مادة في خيال الذكور الجامح بناء على ما يراه من صور بدءًا من تلك المعلقة على حائط بيته ووصولا إلى صفحات مجلة gq التي يخفيها تحت سريره.
أعتقد أنه لابد أن هناك بعضا من الرجال هنا وهناك ممن يحققون إشباعهم الجنسي من مجرد تخيلهم لأطفال المدارس والمراهقين وهم يتحسسون صور زوجاتهم العاريات كما ولدتهن أمهاتهن...أو حتى الطاعنين في السن ذوي الأخلاق الرديئة من المصابين بالأمراض السرية والذين يحصلون على إشباعهم الجنسي بممارسات شاذة، لكني أتساءل عن الرئيس الفرنسي الذي لا يزيد طوله عن مقص الظفر، هل هو مطمئن وواثق من نفسه في علاقته الزوجية مع امرأة هي أصغر منه سنا ؟
ضعوا هذا الأمر في الاعتبار، لو امرأة فضلت أن تلبس النقاب على إظهار وجهها لرجل من الرجال، فهل هي تفعل ذلك لمجرد أن تحافظ على مشاعر زوجها وفي هذه الحالة يراها الناس مطاوعة وخانعة، أم أنها، وهذا هو الأهم، تفعل ذلك لكي تحمي وجهها من أن تنهشه أعين الرجال بعنف؟
هل يمكن أن تكون بعض من هؤلاء النسوة يشعرن،حينما ينظرن من وراء البرقع الذي يرتدينه إلى الرئيس الفرنسي، أنهن مميزات جدا لدرجة أنهن يرفضن أن يحدق إلى ملامحهن الرئيس الفرنسي وأمثاله؟
وهذا تحديدًا، بحسب ظني، هو ما يزعج ساركوزي لأنه إذا كانت النسوة ذوات النقاب لا يرغبن في أن يحدق فيهن الغرباء من أمثاله أو ينظروا إليهن نظرة غير بريئة، فهذا لا يمكن أن يكون إلا تعبيرا عن استعلاء النساء وتشامخهن، لا تعبيرا عن خضوعهن.
أيمكن أن يكون السبب في هجومه على المنتقبات أن كل رجل على كوكب الأرض إذا وجدت لديه الرغبة، يمكنه أن يدرس كل انعطافة وكل فلقة في جسد زوجته الشابة دراسة تفصيلية، ولهذا السبب تجعله رؤية المرأة بنقابها يشعر بعدم الارتياح في علاقته الشخصية بزوجته؟
أخيرا يمكن لكل إنسان لديه منفذ إلى شبكة الإنترنت أو نسخة من مجلة gq من العام الماضي أن يرى مدام ساركوزي في كل مجدها العاري.
هناك خبري يقول إن شخص ما دفع 91 ألف دولار للحصول على بورتريه لها وهي عارية من مزاد كريستي في نيويورك.
وذروة هذه الأخبار المتعلقة بالسيدة الأولى تبدو حينما يسرق أحد الأشخاص مئات الصور «الخاصة جدا» لسيدة فرنسا الأولى وحبيبها السابق منذ شهرين.
والأكثر تشويقا بخصوص هذه الأخبار، ولا أريد أن أقف كثيرا عند هذا الموضوع،هو أنني لابد أن أشدد على الدرس الثالث الذي يحتاج السيد ساركوزي أن يتعلمه وهو التالي: إذا كان بيتك من زجاج فلا تقذف بيوت الناس بالحجارة.
إن أي خدش سريع تحت القشرة الخفيفة للوظيفة العامة التي يستتر بها الرئيس ساركوزي سيكشف أنه ليس إلا زئر نساء متعدد العلاقات.
ومصدر هذه المعلومة ليس أحد آخر سوى سيسيليا ساركوزي الزوجة التي عانت من زوجها طويلا حتى اضطرت لأن تضع حدا لزواجها الذي دام 18 عاما برجل يعاني مشكلات سلوكية من بينها أن الوضاعة صفة من صفاته وأنه زير نساء بارد الأعصاب متعدد العلاقات.
في الكتاب المعنون باسم«سيسيليا»، والذي نشرته دار«فلاماريون» في يناير 2008 ، قالت عن زوجها:« لديه جانب سخيف في شخصيته. فهو إنسان غير وقور. لا يراعي نيكولاس صورته كرئيس. لديه مشكلة حقيقية فيما يتعلق بسلوكياته... وهو بحاجة شديدة لشخص يفهمه هذا. فعلت هذا طوال 18 عاما وليس بمقدوري أن أواصل هذه المهمة. فأنا آخر شخص يمكنه أن يفعل ذلك.»
هذه الاقتباسات، وغيرها مثلها، أغضبت ساركوزي وسعى محامو زوجته المنفصلة عنه أن يقيموا دعوة لمنع نشر الكتاب على خلفية أن هذا الكتاب قد اخترق خصوصيات الزوجة السابقة(وليس أن ما به من معلومات غير دقيقة.)
السيدة الفرنسية الأولى السابقة سيسيليا ساركوزي والتي حصلت على الطلاق في أكتوبر 2007، ينقل عنها وهي تنتقد أخلاق زوجها السابق، ومهاراته كأب وكفاءته لاعتلاء منصب الرئيس.
لابد أن هذا كان له وقع ساحق ومؤلم بأقصى درجة على الإمبراطور الفرنسي القزم. ولكنه ليس أكثر إيلاما من هجومه على النسوة المسلمات المسالمات واتخاذه لهن كبش فداء. أتساءل إذا كان يشعر كما لو أنهم يصدرون أحكاما على سلوكياته من وراء نقابهن؟
حسنا كلنا الآن نحاكم الإمبراطور الفرنسي القصير والحكم لن يكون في صالحه.المصدر
على خلفية هجومه على النقاب:ساركوزي…الحقيقة العارية(بقلم إيفون ريدلي)